آفاق الاقتصاد الأفغاني- تحديات وفرص في عهد طالبان

المؤلف: د. خالد عزب11.07.2025
آفاق الاقتصاد الأفغاني- تحديات وفرص في عهد طالبان

في الأفق المنظور، يظهر احتمال صعود الاقتصاد الأفغاني، على الرغم من التقارير الدولية المتشائمة التي لا تعكس فهمًا شاملاً لجوهر وطبيعة الاقتصاد الأفغاني. تستند هذه التقارير إلى المعطيات المستقاة من تحليلات غربية، والتي غالبًا ما تركز على تراجع دور المرأة في المدن الأفغانية الكبرى، وذلك في ضوء إصدار حكومة طالبان لأكثر من 140 مرسومًا منذ عام 2021، منها 90 مرسومًا تحدّ من حرية حركة المرأة وعملها في القطاع الحكومي.

إلا أن هذه التحليلات تغفل حقيقة أن المرأة في المناطق الريفية الأفغانية لم تتأثر بشكل كبير بهذه القرارات، حيث تعتبر الركيزة الأساسية للاقتصاد الأسري، وذلك من خلال مساهماتها الفعّالة في الإنتاج الزراعي وممارستها لمجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية الهامة.

علاوة على ذلك، فإن تقليص دور المرأة في بعض المهن في المدن، قد أفضى – وفقًا لبيانات غرفة التجارة والصناعة الأفغانية – إلى وجود 2471 شركة مرخصة و5400 شركة غير مرخصة مملوكة لسيدات. ومع ذلك، فإن إغلاق صالونات التجميل النسائية في صيف عام 2023، أدى إلى فقدان 60 ألف امرأة لوظائفهن، بالإضافة إلى تفضيل أصحاب العمل من الرجال توظيف الذكور لتجنب أي مسائلات من قبل الشرطة.

لقد شهدت الفترة التي سبقت سيطرة طالبان، نجاحًا ملحوظًا في بناء قوى عاملة نسائية في المدن الكبرى، وذلك في مجالات القضاء والمحاماة والشرطة والجيش. كما سجلت بيانات حكومية وجود حوالي 10000 امرأة تعملن كطبيبات وممرضات، إضافة إلى 68 ألف معلمة، من بينهن 800 من الكفاءات العلمية في الجامعات.

التكيف مع الظروف

من أبرز السمات المميزة التي تكشف عنها القراءة المتأنية للواقع الأفغاني، هي القدرة الفائقة على التكيف مع أصعب الظروف. هذا العنصر الجوهري لم يحظ بالاهتمام الكافي في العديد من التقارير التي تتناول الاقتصاد الأفغاني. فمنذ الغزو الروسي لأفغانستان في عام 1979، اعتاد المواطن الأفغاني على التأقلم والعيش في ظل أقسى وأصعب الظروف المعيشية والاقتصادية.

هذا العامل، جنبًا إلى جنب مع الاستقرار النسبي والمتزايد الذي تحققه طالبان تدريجيًا، يتيح فرصة حقيقية لمنح أفغانستان جرعة من الأمل المفقود في مستقبل أفضل. وهذا ما يشير إلى إمكانية تحقيق نجاح يقود طالبان إلى تعزيز مكانتها وكسب تأييد متزايد داخل أفغانستان.

إن السمة المحورية التي يجب إدراكها، هي أن طالبان اليوم تختلف تمامًا عن طالبان ما قبل الاحتلال الأميركي في عام 2001. فالميل نحو البراغماتية أصبح واضحًا في توجهات طالبان، فضلاً عن إدراكها التام لأهمية تأمين حدود أفغانستان مع دول الجوار، وخاصة الصين، وتأثير ذلك الإيجابي على الاقتصاد. لذا، وجهت الحكومة الأفغانية جهودها نحو تحقيق هذا الهدف، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في الإيرادات الجمركية وتدفق المنتجات الزراعية الأفغانية وغيرها إلى الخارج. لهذا السبب، حرصت طالبان على الابتعاد عن كل ما قد يثير قلق جيرانها، فالموقع الجغرافي يمنح أفغانستان الكثير من الفرص المستقبلية الواعدة.

عوامل سلبية

تواجه الاقتصاد الأفغاني العديد من التحديات والعوامل السلبية، فقد انخفضت المساعدات الإنسانية في عام 2023 إلى النصف، بعد أن كانت تمثل 3 مليارات دولار في عام 2022. كما أدى حظر طالبان لزراعة الأفيون إلى تقليل دخل العديد من الأسر التي تعتمد على زراعته كمصدر رزق أساسي، حيث كان دخل البلاد من الأفيون يتجاوز المليار دولار سنويًا.

بالإضافة إلى ذلك، أدى ترحيل باكستان لـ 400 ألف أفغاني إلى تفاقم الضغوط على سوق العمل، في ظل تراجع مؤقت للصادرات الأفغانية، والذي تزامن مع انخفاض أسعار الفحم، الذي يعدّ سلعة تصديرية ذات قيمة عالية، خاصة مع تراجع الطلب عليه من باكستان. وبلغت قيمة صادرات أفغانستان من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023، مليارًا و300 مليون دولار، مسجلة انخفاضًا طفيفًا قدره 0.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وسجلت صادرات الفحم انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 17%. في المقابل، ارتفعت الصادرات الزراعية، التي تشكل 63% من إجمالي الصادرات، بنسبة 11%. كما زادت صادرات المنسوجات، التي تمثل 14% من إجمالي الصادرات، بنسبة 44%. وساعدت الزيادة في صادرات الخضراوات إلى الهند وباكستان في تعويض جزء من الانخفاض في الصادرات الأخرى.

وتظل باكستان الشريك التجاري الأكبر لأفغانستان، حيث تستحوذ على 55% من إجمالي الصادرات، تليها الهند بنسبة 29%. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الصادرات الأفغانية إلى باكستان قد انخفضت بنسبة 15% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023.

عوامل إيجابية

يعتمد النمو المستقبلي المحتمل في أفغانستان بشكل كبير على جودة وتنمية رأس المال البشري. فنقص الأطباء والمهندسين والمعلمين يعيق التنمية الشاملة. لذا، وجهت طالبان جهودها نحو تعزيز الأمن الداخلي، مما أدى إلى زيادة عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الابتدائية، على عكس الفترات السابقة. فالأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا، بلغت نسبة الملتحقين منهم بالمدارس 4.4%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية. إلا أن هناك نقطة لا تزال طالبان بحاجة إلى معالجتها، وهي انخفاض نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الثانوي، مما قد يلحق ضررًا بالغًا بمسيرة التنمية الشاملة.

وقد تسببت قوة العملة الأفغانية في انخفاض معدلات التضخم بشكل ملحوظ، حيث بلغت في عام 2022 نسبة 18.3%. وقد أدى ذلك إلى تحسين القيمة الشرائية للأجور. كما تم استئناف مشروع خط نقل الطاقة من قرغيزستان إلى باكستان، وهو ما سيوفر عائدات مجدية للاقتصاد الأفغاني.

إن المصدر الأهم والأكثر قيمة للتنمية الاقتصادية في أفغانستان يكمن في الثروات المعدنية الهائلة المتوفرة على نطاق واسع في البلاد. يوجد في أفغانستان ما يقرب من 1400 موقع للمعادن، بما في ذلك الأحجار الكريمة والنحاس والحديد والذهب. وقد قدّر خبراء أميركيون قيمة هذه الثروات بنحو 3 تريليونات دولار، إلا أن التقديرات الحديثة تشير إلى أن قيمتها قد تتجاوز هذا الرقم بكثير.

تعتبر رواسب الليثيوم في أفغانستان ثروة هائلة تقدر قيمتها بتريليون دولار، وتزداد أهميتها نظرًا لاستخدامها المتزايد في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، التي يشهد الطلب عليها نموًا متزايدًا عامًا بعد عام. ولهذا السبب، أُطلق على أفغانستان لقب "مملكة الليثيوم".

تعتبر الاستثمارات الصينية هي الأهم في أفغانستان حاليًا، حيث تضخ شركة تشانيا الأفغانية استثمارات بقيمة 350 مليون دولار في عدد من المشاريع الحيوية، مثل توليد الكهرباء وتصنيع الإسمنت والرعاية الصحية.

وكانت حكومة طالبان قد أبرمت اتفاقًا في عام 2023 مع شركة شيناغانغ آسيا الوسطى للبترول والغاز الصينية، لاستخراج النفط من حوض أموداريا في شمال أفغانستان، باستثمارات تقدر بنحو 540 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات.

بناءً على ما سبق، يتضح أن أفغانستان تمتلك فرصًا واعدة، إلا أنها تواجه أيضًا تحديات ومشاكل متراكمة. ويتوقف علاج هذه المشاكل على معالجة مشكلة الفقر المتفشي في البلاد، والتي جعلتها لسنوات طويلة من بين الدول التي تشهد أعلى معدلات الفقر في العالم.

لذا، فإن توجه طالبان نحو الاهتمام بالتعليم ومكافحة الفساد – وهما المجالان اللذان حققت فيهما نجاحًا ملحوظًا في العامين الأخيرين – سيؤدي على المدى البعيد إلى تغيير وجه أفغانستان نحو الأفضل. إلا أن هذا يعتمد بشكل كبير على مدى نمو القطاع الخاص، مع التركيز على معالجة ضعف البنية التحتية في البلاد. وتشير العديد من المؤشرات إلى تحقيق نجاح نسبي في هذين المجالين. ومما يساعد أفغانستان على تحقيق ذلك، هو أن المجتمع الأفغاني لا يميل إلى النزعة الاستهلاكية المفرطة على النمط الغربي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة